في الحوار التالي يناقش المهندس والمنظّم زياد أبي شاكرسياسات الإدارة الفاسدة والفاشلة لنفايات لبنان الصلبة المسببة للتلوث، بالإضافة إلى الخيارات العقلانية لصفر نفايات.تتضمن المقابلة التالية أربعة أجزاء، بحيث يمكنكم أن تنقروا.عليهما بشكل منفصل. بوسعكم أن تقرأوا أيضاً النص العربي المدوّن المرافق.
زياد أبي شاكر مهندس متعدد الاختصاصات متخصص في بناء مصانع لتدوير النفايات البلدية على المناطق المختلفة ويعمل ضد اتجاه مصنع إعادة تدوير مركزي ضخم. وحين كان يقوم بالأبحاث في جامعة روتجرز في نيو جيرسي، في الولايات المتحدة الأميركية طوّر فريقه تقنية حديثة لمعالجة و تدوير النفايات بعد فرزها، تقوم على مبدأ التخمير السريع الذي يحول النفايات العضوية الى سماد زراعي بواسطة مواد تسمى الأنزيمات. بعد عودته إلى لبنان في ١٩٩٦، أنشأ زياد شركة “سيدار إنفايرومنتال”، وهي منظمة هندسية بيئية وصناعية تهدف إلى بناء مصانع تدوير لإنتاج أسمدة عضوية موثقة دون ترك مادة نفايات للتخلص منها، بل يعاد تدويرها إلى شكل جديد من المنتج كي تُستخدم مرة بعد أخرى.
وبما أن معظم البلديات في لبنان والشرق الأوسط غير قادرة على شراء مصانع تدوير نفايات، قام زياد بإعداد عقد بثلاثة طرق تقوم بمقتضاه المصارف المحلية بمنح شركته قروضاً ميسرة لبناء مصانع إعادة التدوير وتدفع البلديات فقط لخدمة إعادة التدوير والتخمير في أقساط شهرية مريحة لا تتجاوز ٥ دولارات لكل منزل كل شهر.مؤخراً، طور زياد وفريقه الهندسي، بعد أربع سنوات من البحث، تكنولوجيا جديدة تحول الأكياس البلاستيكية إلى لوحات بلاستيكية صلبة، سميت ألواح ـ إيكو، تستخدم خارج المنزل كي تحل مكان الألواح الخشبية والفولاذية. فازوا بجائزة إنرجي غلوب الدولية لعام ٢٠١٣ بسبب هذه العملية الثورية. حالياً، يقومون بتحويل هذه التقنية من استخدام وقود الأحافير لتوليد الطاقة المطلوبة لتجميع كتلة حيوية من أجل مصدر للطاقة قابل للتجديد.
حصل على جائزة الجمعية الأميركية للمهندسين الزراعيين للتصميم في ١٩٩٣ من أجل تصميمه الذي يربط إدارة النفايات البلدية بالزراعة. وفي ٢٠٠١، حصل على جائزة شركة فورد للسيارات للبيئة وحمايتها في الشرق الأسط. وفي ٢٠١٤ سُمّي المبدع الاجتماعي للعالم العربي من قبل مؤسسة ساينرغوس في مدينة نيويورك. وفي شباط ٢٠١٤ حصل على جائزة مؤتمر المسؤولية الاجتماعية للشركات العالمي التي تدعى قيادة العالم الخضراء المستقبلية.
وفي نيسان ٢٠١٤ اختير في قائمة المائة مواطن العالمي الجيدين وصانعي التغيير المبدعين السنوية من قبل مجلة “غود”، وهي مجلة أميركية.
في حزيران ٢٠٠٣، حصل على شهادة تقدير من قبل الحكومة السورية لخطته الكلية لجعل صناعة الغذاء السورية متماشية مع بروتوكولات الإنتاج النظيف . وسّع دراسته كي تُطبق في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحصل على شهادة تقدير من الجامعة العربية في نيسان ٢٠٠٦.
إن عمله في تطوير مجتمعات صفر نفايات كسب له موقعاً للتحدث في مؤتمر تيد أكس بيروت في أيلول ٢٠١١. ظهر عدة مرات على شاشة التلفزيون من أجل عمله الاجتماعي المبتكر الذي يعزز حماية البيئة وتوفير وظائف لتحسين العالم. يحمل شهادة اختراع في تقنية تحويل المواد العضوية دينامياً دون تلوث وكتب بشكل غزير حول السياسات والمسائل والاتجاهات المستقبلية البيئية، يعيش زياد ويعمل في بيروت. لبنان.
حوار مع زياد أبي شاكر
أجرته رانية المصري
صاغه باللغة العربية الفصحى أسامة إسبر
رانية: ما الذي جاء بك إلى مجال القمامة، ما هي فلسفتك عن القمامة ولماذا من المهم أن نتحدث عنها ونعمل عليها؟
زياد: جئت إلى هذا المجال فيما كنت أتعلم وأدرس الهندسة في أميركا، لأنهم كانوا قدبدأوا بفتح هذا النقاش في أميركا، لأن الشق العملي الخاص بالقمامة تستلمه المافيات في كل بلد، انفتح نقاش أنه ماذا لو دخل الأكاديميون إلى هذا القطاع وغيّروا المنظور الخاص به؟ ماذا كانت تعني القمامة من قبل؟ كانت تعني شيئاً أنت لا تريدينه، فهذه مشكلة ويجب التخلص منها، وقد دخلت المافيا إلى هذا القطاع.
رانية: أود أن نتحدث عن هذا الموضوع بالتدريج، قبل أن نتحدث عن المافيا اللبنانية وما الذي أدخلها إلى قطاع القمامة، أتمنى أن توضح لي قصدك وما هو تعريفك للقمامة؟
زياد: بالنسبة لي أنا علماني، ولكن خالق هذا الكون خلقه دون أن يكون هناك شيء يدعى قمامة، فالكون كله مواد تدور، لهذا السبب يستخدمون مصطلح التدوير، فاليوم حين تسقط ورقة الشجرة تصبح سماداً للأرض، وهذا السماد هو الذي يغذي الجذر والجذر يأخذ هذا الغذاء ويعاود إنتاج الورقة. تصوّري لو أن كل الأشجار ترمي أوراقها ونذهب كي نحرقها أو نرميها في البحر، فما الذي يحدث للدنيا؟ من هنا، فيما يتعلق بفلسفة القمامة، كانت توجد مدرسة كبيرة جداً، تنظر إلى هذه القمامة على أنها مشكل، أو أنا ربما سنحت لي الفرصة، أو قادني سوء الحظ إلى المدرسة التي تنظر إلى هذه المشكلة على أنها مورد، فهذه النفايات هي مورد، ويجب ألا نسميها بالنفايات بل مواد أولية. ويجب علينا أن نفكر ما الذي يجب أن نفعله بهذه المواد خارج النطاق الكلاسيكي، وخارج الإطار التجاري المافيوي، الذي دخلوا عليه، ومافيا النفايات ليست موجودة في لبنان فقط، فمافيا النفايات موجودة في كل بلدان العالم. فأنا حين كنت أعيش في نيو جيرسي كان من المعروف أن المافيا التي تهتم بموضوع النفايات في نيوجيرسي هي المافيا الإيطالية. وفي نابولي المافيا الإيطالية هي المتحكمة بالموضوع وحين حدثت مشكلة بينهم وبين الحكومة ظلت القمامة في نابولي ستة أشهر في الشوارع.
رانية: لنتحدث الآن عن المشاكل التي لدينا في الحكومة. ففي أوائل كانون الثاني انقسم مجلس الوزراء اللبناني حول موضوع القمامة، ويُقال إن مسألة القمامة قسمت مجلس الوزراء اللبناني. فهل تستطيع أن تشرح لنا ما جرى منذ شهر كانون الثاني في مجلس الوزراء اللبناني حتى الآن، ما قصة مكبات الناعمة، لماذا حولوها إلى مشكلة؟ وما هي المبادة التي قمتم بها، كمؤسسة “سيدر انفايرنمنت”؟ كيف كان ردكم على هذه المشكلة التي طرأت من خلال عملكم؟
زياد: بداية، لماذا حدث الانقسام؟ لأنهم ينتقلون من خطة إلى أخرى وكل واحدة تكون فاشلة أكثر من الثانية في موضوع معالجة النفايات على النطاق الوطني ككل. لدينا اليوم مطمر بارز أمام الكل والذي هو برج حمود. لماذا ذهبوا إلى الناعمة؟ لأن أهالي برج حمود قامت قيامتهم.
رانية: اعذرني على المقاطعة، أريد أن أعود إلى نقطة مهمة، فجمهورنا لا يعرف المشاكل التي لدينا وكيف تعالج الحكومة اللبنانية موضوع القمامة. هل يمكن أن توجز لنا كيف تعالج الحكومة اللبنانية ـ إذا سمينا هذا علاجاً ـ مسألة القمامة في لبنان؟
زياد: لقد قاربوا الملف. حين انتهت الحرب في ١٩٩١ كانت القمامة في الطرقات في كل بيروت. وقد قورب الملف بالشكل التالي: جاء المرحوم رفيق الحريري بعد أن شكل لجنة إعادة إعمار وتنظيف، وأسس شركة “سوكلين”، ومن المعروف أن الحريري هو من أسس هذه الشركة التي كان دورها أن تلم القمامة من الطرقات بالكميونات كي ينظف بيروت ويظهر أنه يفعل شيئاً جيداً، لكن بدون دراسة عملية من الناحية الأكاديمية والبيئية، فما كان مهماً هو أن تنزل الكاميرات وتصوّر أن بيروت صارت نظيفة، وأننا حملنا القمامة من هنا ونقلناها ووضعناها في مكان آخر
رانية: هل كانت "سوكلين" تشتغل في كل لبنان أم فقط في بيروت؟
زياد: لم يحدث أن اشتغلت سوكلين في كل لبنان. سوكلين بدأت تشتغل في بيروت وحين تفاقمت المشكلة في جبل لبنان وسّعوا نطاق عملها كي يشمل بيروت وجبل لبنان. فضلاً عن ذلك، الناس لا يتذكرون، فقد كانت “سوكلين” بدأت العمل بكميونات بلدية بيروت، إذ لم تكن لديها كميونات، وقد أخذت “سوكلين” العقد ولم يكن قد مضى أسبوع على تسجيل الشركة في السجل التجاري. إجمالاً هكذا حدثت الأمور في لبنان، فقد كان الجماعة حاكمين بأمرهم ونفذوا كل ما يريدونه.
رانية: إذاً المبدأ هو جمع القمامة من بيروت ونقلها، لكن إلى أين؟
زياد: ضمن هذا المنطق، كانت الفكرة هي جمع النفايات من المناطق السكنية وإبعادها عن هذا المناطق قدر الإمكان، في ذلك الوقت ارتأوا إبعادها إلى برج حمود، وكان التفكير الدوني آنذاك أن أرمناً يسكنون هنا ويتحملون ونستطيع أن نفعل معهم ما نريد، فلنرمي القمامة في برج حمود. وظلوا يكبون القمامة في برج حمود حتى سنة ١٩٩٧. واليوم برج حمود، الذي على البحر، صار جبلاً. تفاقم الوضع ونزل أهالى برج حمود إلى الطريق معلنين إغلاقه.
رانية: ما الذي حدث بعد ١٩٩٧؟
زياد: مثالياً، ما الذي كان يجب أن يفعلوه؟ ففي فترة السبع أو الثماني سنوات السابقة التي كانوا يكبون فيها القمامة في المكب كان يجب أن يكون هناك أحد ما يعدّ خطة مفادها أنه حين نتوقف عن الكب في برج حمود ما الذي يجب أن نفعله. أكيد أنه لم يفعل أحد شيئاً من هذا القبيل. عثروا على أرض في عين درافيل وهي قرية مسيحية أهاليها مهجرون، ويوجد قربها ضيعة بعورته وضيعة الناعمة، وسلسلة من القرى الموجودة، وكان يوجد ذلك الوادي فيقومون باختياره، ويمكن أنهم اعتبروا أنهم قاموا بتحسينات من خلال تأمين غطاء أو غيره. وقِيل وقتها إن هذه المنطقة تكفي لمدة عشر سنوات ونستطيع أن نطمر فيها نفايات بيروت وجبل لبنان، ولكن بعد ثلاث سنوات اكتشفوا أنه وصلوا إلى المستوى الذي حسبوا حسابه لعشرة سنين، ولم يعد هناك مكان يستطيعون أن يكبوا فيه، لكنهم صاروا يرمون فوق الكمية التي قالوا إنها ستستغرق عشر سنوات وتخطوها بسنوات عديدة إلى أن أصيب جميع الأهالي المحيطين بالمكان بأمراض تفوق المعدل العام في كل لبنان بشكل مؤلم، ومن الأكيد أيضاً، من ١٩٩٧ إلى ٢٠١٥، أي لمدة ١٦ أو ١٧ سنة تقريباً، لم يضع أحد خطة رديفة مفادها حين ننتهي من هناك إلى أين نذهب. وزارة البيئة أيضاً هي على الهامش. وإذا أردت أن تراجعي كيف يؤلفون الوزارات يمكن القول إن وزارة البيئة هي الوزارة الوحيدة التي لا يختلف عليها أحد لأنه لا أحد يريدها. وإذا راجعت أيضاً سجل وزراء البيئة، الذين استلموا المنصب، لا يوجد أي واحد منهم اختصاصه بيئة. فهذه وزارة يسمونها بالمحكية اللبنانية “دحشة”، أي من لم يحصل على حصة وافيه نمنحه وزارة البيئة. وهذا شيء واضح، ليس فقط في موضوع القمامة، بل يظهر في موضوع تلوث الهواء، وفي موضوع المجارير. إن موضوع المجارير كارثة لكن لا أحد يراه لأنها تتدفق في البحر. إن وزارة البيئة تمتلك اليوم ميزانية تعادل ميزانية وزارة الداخلية. وفي النهاية وصلوا إلى حائط مسدود سيجبرهم على إحضار أشخاص كي يخططوا للمراحل المقبلة لأننا اليوم لا نستطيع السباحة في مجاريرنا، ولا نستطيع .الغرق في زبالتنا، واليوم ٩٠٪ من الأمراض التنفسية ناجمة عن التلوث.
رانية: سنعود بعد قليل إلى وزارة البيئة، دعني أسألك الآن بعد أن ذكرنا سيرة مطمر برج حمود ومطمر الناعمة، ما الذي يحدث في صيدا الآن؟
زياد: نقلوا الموديل نفسه إلى صيدا، منذ ١٩٨٨ كانوا يكبون في ذلك المكان إلى أن وصلوا إلى نقطة اللاعودة. وكنا حين نذهب إلى مؤتمرات عالمية أو شرق متوسطية نشعر .بالخجل حين يسألوننا عن أسماء المتاجر التي تصل أكياس النايلون الخاصة بها إلى شواطئ تركيا وقبرص واليونان وغيرها
رانية: وهي تذهب إلى هناك من مطمر صيدا؟
زياد: لم يكن هناك أي شيء يكب في البحر سوى مطمر صيدا، والطريقة التي تخلصوا بها منه في الجبل معيبة أيضاً، لم يقوموا بذلك بطريقة غير بيئية فحسب، بل بطريقة غير قانونية أيضاً. لقد قُبضت أموال للقيام بعمل محدد، لفرز هذا الجبل، وإعادة تدوير كل المواد الموجودة فيه وسحب الأتربة واستعمالها في جنائن معيّنة ولكن أكيد بعد معالجتها لأنهم كانوا يكبون مع هذه الأتربة نفايات طبية، ونفايات عضوية، وأشياء أخرى كثيرة . لكن تبين أن ما فعلوه هم أنهم كبوا الجبل كله كما هو أمام مكسر الموج الذي عملوه.
رانية: كبّوه في البحر؟
زياد: كبّوه أمام مكسر الموج، لكنهم كبّوه في البحر عملياً، فهم اعتبروا أنهم بمكسر الموج بنوا حاجزاً يمنع أي شيء من الوصول إلى البحر، أكيد أن هذا عمل خاطئ وأكيد أيضاً أن الأمر لم يكن يهمهم. فما كان يهمهم هو كيف نقبض الأموال، أي أن نقبض الخمسة وعشرين مليون دولار ونصرف أدنى حد ممكن من هذا المبلغ للقيام بهذا العمل. وبرأيي لم يصرفوا أكثر من مليوني دولار على كل ما عملوه. لقد حدثت سرقة كبيرة.
رانية: في حديثنا عن مسألة الزبالة في لبنان من الواضح أنه لدينا حكومة لا يهمها سوى بيروت وأحياناً جبل لبنان، ونكب نفايات بيروت وجبل لبنان في القرى والمناطق التي تفتقر للدعم السياسي أو الاقتصادي الذي يحميها، ويتصف الأسلوب الذي تشتغل به حكومتنا بغياب التخطيط وغياب الوعي بأهمية النفايات كما ذكرت في البداية بأنها موارد أولية وليست زبالة، هناك مشاكل صحية تحدث، ومشاكل اقتصادية وفساد.
زياد: ثمة غياب للكفاءة وفساد. وهذا ما أوصلنا إلى هنا.
رانية: من أين أتت قلة الكفاءة والفساد؟
زياد: لا أحد يمتلك وكالة حصرية عليهما. فالفساد موزع على الكل.
رانية: على الكل. من ناحية مجلس الوزراء والوزراء . أعني أن مشكلتنا ليست فقط في الحكومة اللبنانية، هل هناك أطراف خارج الحكومة هي جزء من الفساد كمافيا الزبالة؟
زياد: اليوم مجلس الوزراء لن يأتي ويضع خطة بيئية، فمجلس الوزراء، وبحسب التسلسل المراتبي أو الهرمي في الحكم يطلب من الوزارة المعنية والوزارة المعنية تطلب من الإدارة المعنية والإدارة المعنية قد يكون لديها جسم كفء يضع الخطة أو تحضر أشخاصاً وتطلب منهم. إن سلسلة الفساد وعدم الكفاءة بدأت من فوق إلى تحت. قد لا أمتلك حقاً بذكر الأسماء لأنني لست مدعياً عاماً ولكن الجميل في هذا القطاع بالتحديد أنك لا تستطيعين إخفاء النتيجة. إذا وضعت اليوم شخصاً لا يمتلك كفاءة ستظهر النتيجة على الفور.
رانية: أي تفوح رائحتها
زياد: واليوم ليست هذه أول خطة بل رابع خطة أو خامس خطة لوزارة البيئة من خلال مجلس الوزراء
رانية: من ١٩٩١؟
زياد: نعم، نعم، لقد وضعوا حتى الآن أربع أو خمس خطط وطنية شاملة لم ينجح أي منها، وهذه التي يقومون بها الآن يؤسفني أن أقول لك إنها لن تعمل لأن أهم فكرة فيها. هي أنهم يعتمدون على خطة الطمر والحرق لكن الدولة رفعت يدها عن تعيين المواقع، وقالوا للقطاع الخاص قم أنت بالمناقصة ونحن ندفع لك الأموال.
رانية: ومن رؤساء القطاع الخاص فهم أيضاً جزء منهم
زياد: لقد اختاروهم بطريقة كبّروا فيها نسبة المال، بمعنى أن هذه الشركات هذه هي شغلتها كي يتمكنوا من إبعاد الشركات اللبنانية عن الموضوع وتركوا المسألة لوكلاء، فهذا مثلاً وكيل، لدى زعيم فلاني، يذهب ويحضر شركة أجنبية، أوربية أو أميركية. لم يشاهدوا هم أيضاً أن هذه التجربة فشلت في كثير من البلدان التي حولنا، اشتغلت معظم هذه الشركات في مصر كالأسبان والفرنسيين لكن بعد سنة أو سنتين حزموا أغراضهم ورحلوا.
رانية: لكن هناك نتيجة تمكنوا من الحصول عليها والتي هي نتيجة اقتصادية رابحة للأشخاص الذين يشتغلون.
زياد: هناك أموال ستدفع دون القيام بعمل.
رانية: دعني أسألك. قال وزير البيئة محمود مشنوق منذ عدة شهور. ليس لدينا خيار كي نعالج الزبالة في لبنان إلا بالطمر؟
زياد: وبالحرق
رانية: بالطمر والحرق. ما رأيك العلمي والهندسي رداً على وزير البيئة؟
زياد: هذا الشخص ليس تقنياً. ولا يعرف في موضوع معالجة النفايات. هو شخص سياسي. وليس حتى تكنوقراطياً. جاء من حصة رئيس الوزراء كي يكون وزير بيئة. إن الفريق الذي حوله الذي من المفترض أن يكون كفؤاً وشفافاً ولديه نظرة هو الذي ينصحه كي يحكي كلاماً كهذا.
رانية: طيب، ما البديل؟
زياد: البديل موجود، هناك الكثير من المجتمعات التي تبشر بما يدعى صفر نفايات، وليس هذا بعيداً عن متناولنا نحن كلبنانيين. ونحن اليوم كمؤسسة هندسية طورنا كل التقنيات التي تسمح لنا بأن لا نكب أي شيء.
رانية: هل تعني أن كل ما يكب من بيوتنا ومستشفياتنا ومن المصانع نستطيع أن نعاود استخدامه كله؟
زياد: كل شيء. نحن بلد يتغنى بطاقته البشرية. لدينا اليوم مهندسون وجامعات تشتغل على .… اليوم النفايات ليست فقط النفايات المنزلية، لديك النفايات الطبية ونفايات العمارة، لديك النفايات الصيدلية، وخاصة حبوب الدواء منتهية الصلاحية، لديك النفايات الإلكترونية، إن نطاق ما تستهلكه المجتمعات وتكبه صار اليوم كبيراً جداً، وازداد عددنا ديموغرافياً وصار سعر الأرض مرتفعاً جداً، فاليوم أن تكبي نفايات مستشفيات إلى جانب بيوت أو في وديان هذه مسألة لم تعد مقبولة.
رانية: علمياً وتقنياً، هل يوجد في لبنان اليوم الآليات التقنية التي تساعدنا على إعادة صناعة كل الزبالة التي تكب بما فيه زبالة المستشفيات وغيرها؟
زياد: كسيدر إنفيرانمنت ما اشتغلنا عليه أكثر من غيره هو موضوع النفايات المنزلية، وأستطيع أن أقول لك الآن وبضمير مرتاح إننا اليوم طورنا جميع التقنيات محلياً في لبنان، بمعنى أن ما يأتي في كميون الزبالة إلى معمل التدوير هذا لا يذهب منه أي شيء لا للحرق أو للدفن
رانية: مما تتكون النسبة الأكبر من القمامة في لبنان؟
زياد: معظمها مواد عضوية نحولها نحن هنا إلى سماد طبيعي مطابق، بالمناسبة، لمعايير الزراعة العضوية، وإذا كان المرء يمتلك خطة أو نظرة مستقبلية حول كيف ستكون الأمور في المستقبل، نرى نحن امكانية الزراعة في المدن، من إعادة تدوير النفايات، وليس فقط العضوية، بل حتى نفايات البلاستيك، فنحن اليوم نحول أكياس البلاستبك إلى ألواح، أو نستخدمها من أجل الزراعة على الأسطحة، فحين يصبح كيس النايلون هذا لوحاً مضاداً للماء، وقد يستمر ٥٠٠ سنة ولا يهترئ. أحياناً يظنني الناس مجنوناً، لكنني أرى بنايات نزرع فوقها البندورة والخيار، وأرى بنايات نزرع فوقها إكليل الجبل الذي يصدر عطراً طيباً جداً ويجذب النحل. تصوري مثلاً بناية في بيروت مزنزة بإكليل الجبل وعلى سطحها مائة قفير نحل ينتجون عسلاً
رانية: هذا جميل جداً
زياد: جميل جداً، لكن هذا ليس خيالاً وهنا مكمن الجمال في المسألة. إن مشكلة أي شخص يطرح فكرة جديدة وتطبيقاتها تستغرق وقتاً للناس أو لصانعي القرار كي يقبلوها. قد لا نرى هذا التقنيات التي طورناها الآن تُطبق في أيامنا لكننا نسنطيع أن نعتبر أننا خلقناها في لبنان، أو كما يقولون بالمحكية “فوّتْنا السوسة”، أي صارت هذه الأفكار سوسة ونتمنى أن تعدي ما حولها، وأكيد أننا واصلون إلى مرحلة في موضوع النفايات لم يعد يوجد فيها أراض ولن يقبل أحد وسنذكر بعضنا غداً بهذه الخطة، لن تقبل أي جماعة أن ينشئ أحد ما مطمراً لديها أو يركّب محرقاً.
رانية: هذا يعني أنك قادر علمياً أن تغير شيئاً من رائحة كريهة، من مشاكل صحية، إلى إنتاج زراعي واقتصادي يعيدنا إلى أرضنا.
زياد: لقد طبقنا هذه الفكرة على نفايات المسالخ. فنفايات المسالخ إما تكب في البحر أو تحرق وتصعد جوّاً. حولناها أيضاً إلى سماد عضوي مطابق لمعايير الزراعة العضوية، واليوم يوجد ما لا يقل عن ٤٠٠ مزارع يستفيدون من وجود هذا السماد كي يكونوا مطابقين لمعايير الزراعة العضوية. ففي الزراعة العضوية يجب استخدام أسمدة مطابقة لمعايير هذه الزراعة.
رانية: حدث لدينا في كانون الثاني، في مجلس الوزراء أنهم اختلفوا على مطمر الناعمة وصدر تهديد بأنه سيتم إغلاقه وستتكوم الزبالة في شوارع بيروت، ما الذي حدث منذ ذلك الوقت، وما المبادرة التي قمت بطرحها؟
زياد: إن مبدأ مطمر الناعمة هو مبدأ خاطئ ١٠٠٪ من ناحية العدالة الاجتماعية. فهل تقبلين مثلاً على مستوى بيتك أن يجيء جيرانك من آخر الحي ويرمون قمامتهم أمام بيتك. أكيد كلا. لماذا يقبل أهالي الناعمة أن تكب عندهم قمامة نصف لبنان دون أية معالجة، من أي استخراج للمواد القابلة للتدوير وتسبب كل هذا التلوث وتلك الروائح. إذاً مبدأه من حيث العدالة الاجتماعية خاطئ، وقد وعد الأهالي من قبل هذه الحكومة والتي قبلها، والتي قبل هذه أيضاً، بتعويضات لبلدياتهم ولم تنفذ الوعود، مما اضطرهم إلى النزول وإغلاق الطريق والقول: هذا يكفي! إن المشكلة اليوم هي ماذا سنفعله بعد إقفال مطمر الناعمة. إن مطمر الناعمة يجب أن يُقفل.
رانية: في كانون الثاني
زياد: لماذا اختلفوا؟ هذا بسبب مرجعية الناس الموجودين هناك. مثلاً، وليد جنبلاط وعد أنه سيغلق المنطقة وتعهد شخصياً بذلك. وبعد مرور سنة اكتشف الناس أن الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار لم يفعلوا شيئاً في الحقيقة، واكتشفوا أن الوعود فاترة وأنه لا خيار ثانياً، واليوم ظهر الحكومة إلى الحائط، إذا لم يكن لديهامحل في الناعمة أو في مكان ثان ستظل القمامة في الطرقات.
رانية: ستظل القمامة في الطرقات في بيروت؟
زياد: في بيروت والجبل.
رانية: أي في أهم منطقتين في لبنان من منظور اقتصادي وسياسي. إذاً ما الذي حدث؟
زياد: حدثت مفاوضات الساعة الأخيرة، ازرعوها في ذقننا، أمهلونا ثلاثة أشهر ونعدكم بوضع خطة، لكن خطة كهذه لا يمكن أن تُعد في ستة أشهر . بصراحة إذا دخل أحد ما من القطاع الخاص في مناقصة هذه الخطة وقرر بناء البنية التحتية كي ينفذ الخطة يحتاج إلى عامين على الأقل أو ثلاثة، فأين ستذهب القمامة في هذه الأعوام؟ هل ستذهب إلى الناعمة؟ إذا كانت ستذهب إلى الناعمة، فهذا يعني أنه سيقبض عليها اقتصادياً وسياسياً. إن المسألة إشكالية جداً
رانية: هددوا بإغلاق الناعمة ثم عادوا وفتحوا الناعمة، وما تزال..
زياد: المسألة متوفرة الآن حتى ١٧ تموز ٢٠١٥، وهذا هو الموعد الأخير الثاني. كان الموعد الأخير الأول هو ١٧ كانون الثاني، زيدي عليها ثلاثة أشهر، مما يعني أن المهلة الأولى تنتهي في ١٧ نيسان، وثاني مهلة تنتهي بعد ثلاثة أشهر أي في ١٧ تموز
رانية: في هذه الفترة التي كان فيها الناس في شوارع بيروت وأهالي بيروت خائفين من موضوع ما الذي سيحدث لموضوع الزبالة، كيف سنتعايش مع وجود القمامة في الشوارع، أطلقتم مبادرة، فحدّثنا عنها!
زياد: أطلقنا مبادرة بعد متابعة كل هذه الأمور والأحاديث السريالية على موضوع خطة النفايات أطلقنا مبادرة سميناها “صار لازم راسك يفرز".
رانية: "صار لازم راسك يفرز"؟
زياد: هي لعب على الكلام، أي أن الرأس الذي يفرز يجب أن يفكر قليلاً، وينبغي ألا نكرر نفس الأخطاء التي نقع فيها دوماً. كنا نرى السيناريو القاتل هو أن تبقى القمامة في الطريق. إذا بقيت القمامة متكومة في الطريق وتفاعلت ستجعل الحياة في بيروت وجبل لبنان مضرة كثيراً، فقررنا في مبادرة “صار لازم راسك يفرز” أن نعلّم الناس في بيروت فرز الزبالة في بيتهم في كيسين فقط. درسنا أيضاً حملات الفرز السابقة ولماذا فشلت. إن حملات الفرز التي تتطلب أكثر من كيسين فشلت كلها لأن الناس لن يتجاوبوا، أو ستتجاوب أقلية صغيرة جداً منهم فقط، فيما حين تفرزينها في كيسين فحسب يتجاوب كثيرون، وبصراحة تجاوب ناس كثيرون مع حملتنا، فالمسألة بسيطة حين تضعين المواد العضوية في كيس أسود ومعها ورق ومحارم تمص مياهها كي توقفها عن التخمر أو ينزل سائلها في الطريق، بيتما تضعين كل شيء آخر في الكيس الأزرق، وتحدثنا مع الأشخاص الذين يلمون النفايات الذين نراهم يفتشون وينكشون الزبالة، هؤلاء لديهم مرجعية، فناء ترجيع، أو بورة تدوير، لدينا بور تدوير في بيروت أو حولها يبلغ عددها ١٤ واحدة. هذه البورة تشتري المواد من هؤلاء الأشخاص الذين يفتشون القمامة كي يسترزقوا منها. أوصلنا رسالة لهؤلاء أنه من خلال البورة الخاصة بهم أن يتوقفوا بعد ١٧ الشهر عن فتح القمامة أو كبها في الطريق كي يأخذوا الألمنيوم أو البلاستيك. هناك كيس لونه أزرق فيه كل المواد. خذوا الكيس الأزرق فحسب وضعوه في كميونكم لأن هذا أسرع وفي الكيس كل المواد وستربحون نقوداً أكثر. وخذوها إلى البورة وبيعوا الأكياس هناك. وبعد ١٧ الشهر لم تبق قمامة في الطريق لكننا استمرينا نحن في الحملة. ونحن في لبنان ندوّر فقط ٨٪ من النفايات فمثلاً في كل ١٠٠ كيلو قمامة يلمونها هناك ٩٢ كيلو تذهب للدفن في الناعمة، وهناك فقط ٨ كيلو غرام، قسم منها عضوي يحولونه إلى كومبوس بنوعية سيئة جداً، وما تبقى بعض البلور والبلاستيك وبعض الأشياء الأخرى. هذا الرقم معيب. فنحن اليوم في لبنان ننتج خمسة ألاف طن
رانية: يومياً أم أسبوعياً؟
زياد: كل يوم، على كامل الأراضي اللبنانية نكب خمسة آلاف طن قمامة، نأخذ فقط منها ٤٠٠ طن كي نستفيد منها.
رانية: وأين تذهب آلاف الأطنان هذه؟
زياد: إلى المطامر. اليوم يدخلون إلى مطمر الناعمة ٣ آلاف طن في اليوم، أي أكثر من النصف بقليل بما أن الإجمالي هو ٥ آلاف طن. وهذا أمر معيب فعلاً. اليوم يجب أن يفتح باطن مطمر الناعمة ويتم استرداد كل هذه المواد، لأن هذه الأرض التي طُمر فيها ستكون معدومة إذا بقيت القمامة هناك
رانية: نحن نتحدث عن القمامة ومشكلة القمامة أو احتمال أن نحل المشكلة بطريقة مريحة. مَنْ الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال، فمثلاً أنت كمهندس من هناك أيضاً.
زياد: هناك كثيرون. هناك أكاديميون. لقد أنهينا الآن مشروع بحث مع الجامعة الأميركية في بيروت حول طريقة لمعالجة حبوب الأدوية منتهية الصلاحية دون أن ترميها في البحر أو تحرقيها في أفران لأنها سببت مشكلة كبيرة، هذا سيساهم في وجود خضار في المدينة.
رانية: هل هناك من احتمال أن تتحول مشكلة النفايات في لبنان إلى حركة اجتماعية تجمع أشخاصاً من فئات مختلفة لمحاربة المافيا، للقيام بعمل ما؟
زياد: هذا في صلب عمل شركتنا، فما نقوله هو إن هذه ليست مشكلة بل مورداً للجميع، وحين كانوا يسألونني: ألا تخاف من الشركات الكبيرة؟ كنت أجيبهم: هناك نفايات للجميع، لا داعي للهموم. إن المدرسة التي أتيت أنا منها، والتي تنظر إلى النفايات على أنها مورد، أهم فلسفة لديها ألا تسملي نفايات أكثر من خمسمائة طن لمرجع واحد، فمثلاً إذا كان لدينا اليوم خمسة آلاف طن يمكن أن يكون لدينا عشر شركات، إذا عملت وفق مبدأ صفر نفايات، فإنها تؤمن خمسين ألف فرصة عمل مباشرة
رانية: إذاً نستطيع أن نؤمن من حل مشكلة النفايات في لبنان خمسين ألف فرصة عمل؟
زياد: نعم. من العامل الذي يشتغل بالفرز إلى السائقين، هذه وظائف مباشرة، أما الوظائف غير المباشرة، فمعظمها مؤلف من مزارعين، فأنت اليوم أسست لؤلاء المزارعين مصنعاً محلياً ينتج أسمدة عضوية مطابقة لمبدأ الزراعة العضوية. صار بوسعك أنت أن تساعدي هذا الشخص، أن تقومي بمبادرة من خلال الدولة، من وزارة الزراعة، تعلّم المزارع كيف ينتقل من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية، لأن مستقبل الزراعة اللبنانية هي الزراعة العضوية فنحن لا نستطيع أن ننافس البلدان المجاورة بالزراعات الكمية، يجب أن ننافس بالزراعات النوعية، وهذه عليها طلب عال جداً اليوم. فحين تأكلين حبة بندروة غير مرشوشة بالسموم، أو نابتة في جو كيميائي، أي باستخدام أسمدة كيماوية تلغي الطعم، مما يسبب أمراض السرطان. من الواضح الآن أن كل أمراض السرطان القادمة من الطعام هي بسبب السموم التي تبقى بقاياها إما في قلب الثمرة أو على جلدتها . اليوم نتحدث عن خطة إذا طُبّقت بشكل جيد، هناك قمامة للجميع. وهناك نقود للكل، وشغل للكل. إن مشكلة جميع الخطط التي وُضعت، وضعت انطلاقاً من مبدأ اقتصادي احتكاري، نعمل للقمامة شيئاً لا يتوقف، مما يعني أن هناك عملاً على الدوام، كالهاتف والكهرباء، وإذا لاحظت في جميع البلدان، حيث يوجد احتكار معيّن، يقوم باحتكاره السياسيون، فهم لا يحتكرون إلا هذه القطاعات.
رانيا: التي هم متأكدون منها؟
زياد: مثلاً الهاتف، هل يعقل ألا يتحدث الناس مع بعضهم، هل تستطيعين السكن في بيتك دون كهرباء؟ اليوم مثلاً، في أميركا، التي يعتقد الناس أنها بلد الحريات ـ هذا يحتاج وحده لأربع حلقات - صار هناك شركات خاصة تنتج كهرباء، ما نراه الآن، حين تطورت الطاقة الشمسية صارت الشركات التي تنتج الكهرباء ترفع دعاوى ضد البيوت التي حصلت على استقلاليتها من الكهرباء. أي أن هذه البيوت قطعت علاقتها معها وصارت تنتج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
رانية: أعتقد أننا ما نزال نعاني من هذه المشكلة في لبنان لأن وزارة الكهرباء فتحت الباب منذ شهور لخصخصة الكهرباء ،واليوم الباب مفتوح لخصخصة الهاتف. وكما قلت، هذا بيع.
زياد: إن موضوع الخصخصة في لبنان ليس خصخصة.
رانية: هو بيع؟
زياد: هو خلق مساحات احتكارية، خلق احتكارات، دائماً يكون وراءها سياسة. ما حجتهم؟ إن حجتهم هي أن الدولة غير قادرة على إنتاج الكهرباء. كانوا يقولون إن الدولة تاجر فاشل. إن الدولة ليس دورها أن تكون تاجراً. إن الدولة، تعريفاً، هي الحكم الصالح، الذي ربما لا يعرف أن ينتج كهرباء أو يلم النفايات. إن مهمة الدولة أن تكون حكماً صالحاً يمنع رفض أحسن فكرة وأرخص فكرة وأدق فكرة لأنهاغير مدعومة سياسياً، والتي هي تحقق توفيراً للخزينة. هذا هو عمل الدولة، أي أن النقود التي ندفعها كضريبة يجب أن ترشد في إنفاقها،أي لا أدفع ١٣٠ دولار على طن قمامة كي أكبه، أنا أستطيع أن أدفع ٥٠ دولاراً وأخلق خمسين ألف فرصة عمل. لا أعرف إن كان هذا سيتحقق في زمننا
رانية: زياد، آخر سؤال، كم مضى على رجوعك إلى لبنان؟
زياد: عدت في ١٩٩٦، تقريباً منذ عشرين سنة.
رانية: وفي هذه العشرين سنة هل تشعر بوجود نتائج فعالة في عملك لتحويل القمامة في لبنان
زياد: بالتأكيد.
رانية: لا أعني علمياً أو فلسفياً، هل هذا قادم من الواقع؟
زياد: أكيد. إن نظرتي كمهندس هي أن الذين يعملون في الهندسة لا يعملون نظرياً بل تطبيقياً وواقعياً، تأتيهم الفكرة فيخطونها على ورقة ثم يأخذون الورقة إلى المعمل كي ينفذوها. فكل ما تحدثت عنه اليوم لو لم يكن مبنياً على خبرة سابقة تطبيقية فإننا لن نتحدث عنها. هذا مجال يعمل معك حين أولاً تكسرين عقلية الاحتكار، حين تكسرين عقلية الاحتكار لهذا المجال بالذات ستكون الفائدة الاجتماعية له كبيرة جداً. ناهيك عن الإفادة البيئية. أعود وأركز على موضوع، أنني أرى في المستقبل مدينة خضراء، بنايات خضراء، بنايات تزرعين فيها الفريز والبندورة، بنايات تنتج، وتأكلين منها. اليوم هناك توجه كهذا في أميركا، ترك أشخاص وول ستريت، يسمونهم مزارعين مدينيين، صاروا يأخذون المناطق التي استُهلكت في قلب المدينة وهجرها الناس لأن النظام الاقتصادي كان مجحفاً في حقها، ويحولونها إلى زراعة على الأسطح، وزراعة على الحيطان، وأيضاً بالطريقة العضوية بدون سموم، وأهم شيء أنهم يتمكنون من العيش منها. إن سياسات الحكومات اليوم، ليس فقط في لبنان، بل في كل بلدان العالم، ضايقت المزارع إلى أن دفعته إلى الإفلاس، لكننا نأكل بسببهم، فحين تدخلين السوبرماركت وتشترين كيلو بصل بألف ليرة هناك أشخاص ماتوا من الجوع كي ينتجوا كيلو البصل هذا بألف ليرة. لكننا لا نستطيع أن نواصل على هذا المنوال، فكلنا اليوم إذا كان لدينا أي تأثير في القرار يجب إن يكون نصف اقتصادنا اقتصاداً منتجاً سواء صناعياً أو زراعياً. إذا بقينا متكلين على الخدمات فإننا سنفشل.
رانية: بكل تأكيد. شكراً لك يا زياد
زياد: هناك أغنية لفيروز يجب أن يحفظها الجميع عن ظهر قلب:”إي، في أمل".
رانية: "إي، في أمل"
زياد: طالما نحن نحيا ونفكر ونكون خلاقين في عملنا يبقى هناك أمل.
رانية: أشكرك زياد أيضاً لأن هذه الحلقة ستكون أول حلقة من سلسلة حوارات حول مبدأ العدالة البيئية، وحول المشاكل التي نعاني منها في منطقتنا حيال وجود العدالة البييئية أو انعدامها في بلاد الشام أو في المشرق العربي ككل. وحول المحاولات والمبادرات لتطبيق العدالة البيئية. فشكراً لك
زياد: ليس أمامنا إلا خيار واحد وهو الاعتناء بالعدالة البيئية والعدالة الاجتماعية.